السبت، 13 أبريل 2013

من ذاكرة رمضان

" اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير .  "
ما ان بلغ هذه الاية حتى صدق واغلق مصحفه بعد ان وضع خيطا رفيعا يمكنه من استرجاع الصفحة بيسر , قبل مصحفه ثم وضعه فى مكان على بمناى عن الاتربة المتطايرة .لامست يداه الصغيرتان  القضبان الحديدية المتخللة احدى نوافذ" مندرة " بيته الريفى واخذ يطالع بعينين حالمتين غيطانا خضراء اكتسى بها الفضاء الفسيح امامه  كبساط من الفردوس لا يعرف له نهاية . تراءت له  كلوحة فنية شمس الاصيل ترسل اخر خيوطها الذهبية على سعف  النخيل  وسباطه الذى استعمره بلح مخضب لذيذ . خيل اليه ان يهرع الى الغيطان ويلتقط حبات البلح المتساقط فى هذه الاونة من النهار ويمسح عنها ذرات الرمال العالقة ويتذوق عسلا مصفى يعرف جيدا تاثيره الطاغى على نفسه , ولكنه مالبث ان استعاذ بالله ثلاث وبصق عن يساره وتمتم : اللهم انى صائم .

العاشر من رمضان ..... يوم شديد الخصوصية .. كتب عنه الكثير فى حصص التعبير فتهللت اسارير معلمته وطالبت رفقاء فصله بتصفيق حاد  جاش  له صدره وارتعشت  شفتاه فرحا وخجلا بيد ان فرحته الاكبر تمثلت دائما فى حكايات ابيه الاسطورية عن هذا اليوم الاسطورى . يتذكر كيف تراقص قلبه بين حناياه بينما يقص ابوه كيف ارتسمت على صفحة السماء عبارات " بسم الله الله اكبر "
وكيف حلق طير ابيض فوقهم لحظة العبور العظيم فردد رفاقه والدموع تهرب من اعينهم انهم ملائكة كملائكة بدر ارسلهم الله لنصرة الحق على ارضه , وكيف نجا من الموت باعجوبة حين انقذه جندى من زملاءه وتلقى الرصاصة بدلا منه , هو يحمل اسم ذاك الجندى الان يتسائل دوما كيف كانت هيئته ؟ هل يشبهه ؟ اه لو تمكن من ملاقاته , كان سيعانقه بشده ويقبل قدميه و يتلو ابوه كيف جرت كل هذه المعجزات  وهم صيام لم يفطروا قط . والان يستعيد ابوه الذكرى بدعوة جميع الاقرباء لافطار جماعى وصلوات طويلة منفردة من اجل رفاقه الشهداء فى جوف الليل .

خرج الى صالة البيت الواسعة ليقابل وجه ابيه وقد اغتسل تماما بماء عينيه المتساقط بغزاره بينما يتتعتع لسانه فى قرانه بينما تلعب اصغر اخواته مع رفيقاتها وتحاكى بشكل فريد الفنانة نيللى فى حركاتها الاستعراضية وتتسائل فى لهفة متى يحين الافطار حتى تتابع الفزورة الجديدة وتقدم لها حلا كسابقتها , بينما تتعالى صيحات الاخوات الاكبر وهن يتجادلن هل سيعود يوسف الضو فى هذه الامسية من المال والبنون وماذا سيفعل سليم البدرى مع نازك هانم السلحدار فى ليلة جديدة من ليالى الحلمية.

فى احد اركان الصالة تجلس جدته التى جاوزت التسعين على اريكة لها اعتلت عن الارض قليلا وقذ  ذهب بصرها تماما تضرب الارض بعصاها فى حركة موسيقية رقيقة  مرددة دعوات بسيطة بلغة عربية  ركيكة , تاملها فى صمت طويل لم يقطعه سوى ابتهالات النقشبندى الصادرة من مسجد القرية فاخذ يردد وراءه فى تؤدة : مولاى انى ببابك  قد بسطت يدى , منلى الوذ به الاك ياسندى .

اذن لصلاة المغرب وافترشت الصاله بطبليات كثر اكتست بما لذ وطاب وتقاطر الجميع امام صينية اللبن بالتمر وتعالت فى اركان البيت اصداء ادعيتهم التقليدية لحظة الافطار وهم الجميع بافتراش الارض مستنشقين رائحة الطعام الاخاذة التى استبدت بمعداتهم  فجاء صوت الاب رخيما : سنصلى المغرب اولا فاذا اكلتم امتلات بطونكم وربما غلبكم النعاس او سرقكم يوسف الضو وسليم البدرى , ثم امر باقامة الصلاة

هناك تعليق واحد:

  1. سعيدة جدا بعودتك إلى عالمنا الخاص بلوجر

    قصة جميلة تغوص عبر الذهن فتربط ذكريات الروح وخواطرها بواقع بعيد نشتاقه..

    أتمنى ألا تغيب

    ردحذف