الاثنين، 15 أبريل 2013


حمام سيادة الوزير

اخرج هاتفه الخلوى من سترته , اخذ يحملق فى شاشته بعينين مشدوهتين و اربدت سحنته قليلا , رفع الهاتف نحو اذنه اليسرى و رغم انه بذل جهدا مضنيا ليبدو طبيعيا جاء صوته متحشرجا كخليط من الالم والحزن والفزع : "تحت امر سيادتك يافندم ".
جاءته من الجانب الاخر عبارة مقتضبة امرة النبرة كحكم  يصدره قاض على منصته : "تمثل امامى صباح الغد".
سمع صفارة انهاء المكالمة بينما ظل الهاتف ملتصقا باذنه كمن شلت يداه , عيناه تحملقان فى المجهول امامه وشفتاه يتراقصان فى صفحة وجهه الصفراء الفاقع لونها .
تامله سائقه الخاص فى مراته وندت عنه  ضحكة مكتومة ومصمص شفتيه بصوت غير مسموع مبهوتا كيف استحال سيادة الوزير فى هلعه طفلا مذنبا امام اب قاس .
اسند يده الى جبهته , تصاعدت انفاسه وهبطت فى صدره , يعرف جيدا جبروت ذاك الرجل , دار بخلده كيف سيمثل امامه صباح الغد كتلميذ بليد  مطاطا الراس تسمر نظره نحو قدميه تمتد يداه متشابكى الاصابع الى اسفل وسطه كعابد يصلى اخر صلواته قبيل لقاء ربه , تتردد فى اسماعه لهجته الساخرة المؤنبة المعاقبة بصوته الجهورى المخيف وجسده العملاق , لم ينج منه احد, حتى رئيس الدولة وقف مثل وقفته ذليلا حسيرا يتلقى التانيب واللوم : "الم تختر الا هذا الجزء من جسدك كى تحكه سيادة الرئيس ؟ الم تتمالك اعصابك ؟ رئيسة الارجنتين كانت فاتنة لدرجة لا تقاوم ",   قالها بتهكم قاس وتعالت ضحكاته كصوت مدفع .

ولماذا يذهب بعيدا ؟ هو نفسه عايش اجواء مجلس التاديب هذا سابقا بينما تتصاعد زفرات الاخر متاملا اياه من اعلى لاسفل كفار اجرب : "كلنا لنا نزواتنا لكن هذا لايعنى ان نتحدث بسخونة مذيعة على الهواء , اعرف ان فستانها الاحمر لا يقاوم  وجسدها الممشوق يدخلنا عالم الخيالات , لكنك احمق  وابله ومراهق يا سيادة الوزير , متى ستتعلمون ايها الحمقى ؟  انا امامكم زير نساء ولا يعلم عنى احد , انكم قدرى ايها الاغبياء ".
 اسند ظهره للخلف وزفر بعمق واخذت ذكريات الماضى تدق ذهنه بعنف ووضوح , زوجه ابوه فى مقتبل عمره خوفا عليه من الفتنة بعد ان احدث له الكثير من الحرج مع بنات جيرانه , زوجته سيده فاضله ليست جميلة الملامح بمايكفى لكنها رقيقة متدينة تتقى الله فيه وتحافظ عليه حقا , اروى منها ظماه بعمق ولكنه زهد فيها مع مرور الوقت , كان يريد امراة من نوع خاص , كان يرى نفسه اسطورة الرجال ليس كمثله احد , رفض ابوه تزويجه بثانية فامراته لا تستحق الظلم باى حال , هام على وجهه فى الطرقات والازقة والحوارى ينهل من عالمها النسوى , ارتاد بيوت الهوى مرارا , وعاشر ثلاثة ارباع ممثلات مصر والعالم عبر خياله الرحب , حين بشر بالوزارة اخذ يتراقص فى غرفته كمجنون , اليوم فقط سيتمكن من رؤية الحسناوات وجها لوجه ,  هى صفقة اذن  سيقصف اقلاما ويكمم افواها حتى لا يجيد الجميع سوى لغة تمجيد الجماعه وفى المقابل سينهل من محاسن انثاه الغائبة  اكثر فاكثر , سيشبع جوعه الازلى الذى ارقه وقض مضجعه عقودا .
اليوم جاءت الطامة الكبرى , كانت تساله عن حرية الصحفيين ترائى له كرتى صدرها الممتلئتين وشفتاها المكتنزتين كعالم سحرى صمم على اختراقه وقال جملته الشهيرة : "تعالى اوريكى " , كان يقصدها تماما , كان يرغب فيها , ولكنها الرياح تاتى بما لا تشتهى السفن .
دخل بيته حزينا مترنحا , لاقاه وجه زوجته البشوش , لم تذق للنوم طعما حتى جاءها , ساعدته فى خلع بذته , وخلعت نعليه واخبرته انها جهزت له حماما قبل تناول العشاء الذى اعددته بعناية , ازاح يديها بضجر , غرق فى اريكته الوثيرة للحظات ثم توجه الى حمامه .

كما قال فرويد ان الخيالات الجنسية ربما تكون مخرجا من حالات الاحباط الكريهه , وضع بعض الشامبو على كفيه واستعادت ذاكرته مذيعة دبى وصحفية اليوم واخذ يناظر بينهن , اغمض عينيه فتجلى له القيادى الكبير بجسده العملاق ونبرته الجهورية الحادة , ارتكن الى جدار حمامه ودخل فى نوبة شديدة من البكاء.
انا

السبت، 13 أبريل 2013

من ذاكرة رمضان

" اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير .  "
ما ان بلغ هذه الاية حتى صدق واغلق مصحفه بعد ان وضع خيطا رفيعا يمكنه من استرجاع الصفحة بيسر , قبل مصحفه ثم وضعه فى مكان على بمناى عن الاتربة المتطايرة .لامست يداه الصغيرتان  القضبان الحديدية المتخللة احدى نوافذ" مندرة " بيته الريفى واخذ يطالع بعينين حالمتين غيطانا خضراء اكتسى بها الفضاء الفسيح امامه  كبساط من الفردوس لا يعرف له نهاية . تراءت له  كلوحة فنية شمس الاصيل ترسل اخر خيوطها الذهبية على سعف  النخيل  وسباطه الذى استعمره بلح مخضب لذيذ . خيل اليه ان يهرع الى الغيطان ويلتقط حبات البلح المتساقط فى هذه الاونة من النهار ويمسح عنها ذرات الرمال العالقة ويتذوق عسلا مصفى يعرف جيدا تاثيره الطاغى على نفسه , ولكنه مالبث ان استعاذ بالله ثلاث وبصق عن يساره وتمتم : اللهم انى صائم .

العاشر من رمضان ..... يوم شديد الخصوصية .. كتب عنه الكثير فى حصص التعبير فتهللت اسارير معلمته وطالبت رفقاء فصله بتصفيق حاد  جاش  له صدره وارتعشت  شفتاه فرحا وخجلا بيد ان فرحته الاكبر تمثلت دائما فى حكايات ابيه الاسطورية عن هذا اليوم الاسطورى . يتذكر كيف تراقص قلبه بين حناياه بينما يقص ابوه كيف ارتسمت على صفحة السماء عبارات " بسم الله الله اكبر "
وكيف حلق طير ابيض فوقهم لحظة العبور العظيم فردد رفاقه والدموع تهرب من اعينهم انهم ملائكة كملائكة بدر ارسلهم الله لنصرة الحق على ارضه , وكيف نجا من الموت باعجوبة حين انقذه جندى من زملاءه وتلقى الرصاصة بدلا منه , هو يحمل اسم ذاك الجندى الان يتسائل دوما كيف كانت هيئته ؟ هل يشبهه ؟ اه لو تمكن من ملاقاته , كان سيعانقه بشده ويقبل قدميه و يتلو ابوه كيف جرت كل هذه المعجزات  وهم صيام لم يفطروا قط . والان يستعيد ابوه الذكرى بدعوة جميع الاقرباء لافطار جماعى وصلوات طويلة منفردة من اجل رفاقه الشهداء فى جوف الليل .

خرج الى صالة البيت الواسعة ليقابل وجه ابيه وقد اغتسل تماما بماء عينيه المتساقط بغزاره بينما يتتعتع لسانه فى قرانه بينما تلعب اصغر اخواته مع رفيقاتها وتحاكى بشكل فريد الفنانة نيللى فى حركاتها الاستعراضية وتتسائل فى لهفة متى يحين الافطار حتى تتابع الفزورة الجديدة وتقدم لها حلا كسابقتها , بينما تتعالى صيحات الاخوات الاكبر وهن يتجادلن هل سيعود يوسف الضو فى هذه الامسية من المال والبنون وماذا سيفعل سليم البدرى مع نازك هانم السلحدار فى ليلة جديدة من ليالى الحلمية.

فى احد اركان الصالة تجلس جدته التى جاوزت التسعين على اريكة لها اعتلت عن الارض قليلا وقذ  ذهب بصرها تماما تضرب الارض بعصاها فى حركة موسيقية رقيقة  مرددة دعوات بسيطة بلغة عربية  ركيكة , تاملها فى صمت طويل لم يقطعه سوى ابتهالات النقشبندى الصادرة من مسجد القرية فاخذ يردد وراءه فى تؤدة : مولاى انى ببابك  قد بسطت يدى , منلى الوذ به الاك ياسندى .

اذن لصلاة المغرب وافترشت الصاله بطبليات كثر اكتست بما لذ وطاب وتقاطر الجميع امام صينية اللبن بالتمر وتعالت فى اركان البيت اصداء ادعيتهم التقليدية لحظة الافطار وهم الجميع بافتراش الارض مستنشقين رائحة الطعام الاخاذة التى استبدت بمعداتهم  فجاء صوت الاب رخيما : سنصلى المغرب اولا فاذا اكلتم امتلات بطونكم وربما غلبكم النعاس او سرقكم يوسف الضو وسليم البدرى , ثم امر باقامة الصلاة