الخميس، 5 مايو 2011

احد ايام الخميس


في ريف مصر ,تصطف المزارع على جانبي الترع لايفصل بينهم سوى طريق ضيق لايتسع عرضه لأكثر من مترين يتمكن من خلاله الفلاحون من نقل ماتجود به مزارعهم من خضار أو فاكهة إلى بيوتهم او الى الأسواق,وكل مجموعة من الترع يسأل عنها رجل تعينه وزارة الري يدعى بحارا ,مهمته الإشراف على هذه الترع وتطهيرها من ورد النيل وغيره من الشوائب التي تعيق عملية الزراعة ,كما يراقب الفلاحين ويضمن عدم جورهم على الترعة أو القناة المائية
إلا أن الأستاذ عطية المشرف على ترعتنا تنصل من جميع المهام سالفة الذكر واختذل واجبات عمله في فرض إتاوات على المزارعين تقدر بعشرة جنيهات أسبوعيا وكان هذا مبلغا باهظا للكثيرين منهم,ومع ذلك فأنهم كانوا يدفعون له مجبرين خوفا من تحرير محاضر ضدهم ,كما أنهم لايستطيعون الثورة عليه عملا بالمبدأ القائل بان الحكومة لاتنصف احدا على أبناءها الموظفين .
 وفى احد أيام الخميس كانت الشمس تستعر في كبد السماء ,معلنة غضبها الجامح على كل من هو تحتها ,وكان أبى قد استراح لتوه من عناء عمل شاق بدا مع انبلاج الفجر حتى اللحظة,واستظل بتكعيبة العنب التي تتوسط مزرعتنا المتآلفة  من تسع قراريط واخذ يجفف انهار العرق المنسابة على جبهته وخديه بطرف قميصه البالي ثم أردف بتنظيف حافة فاسه الملقى بجانبه من ذرات التراب العالقة بها.
في هذه الأثناء وصلت امى تحمل بيمناها لفافة تحوى أرغفة من الخبز الذي صنعته بنفسها وقطعة من الجبن القديم وطبق به بيضة مقلية ,ورغم محاولات امى المستميتة لصدى عن الذهاب معها خوفا من الشمس الحارقة إلا أن اصرارى على مصاحبتها كان أقوى تأثيرا وحقق في النهاية نصرا مبينا ,فقد كان يوما غير عادى بالنسبة لي . اليوم أعلنت المدرسة درجات الاختبار الشهري وتصدرت القائمة بلا منازع وصفق لي الجميع فى طابور الصباح.كنت أسرع الخطى حتى كدت اسبق امى طمعا في أن أكون أول من يزف هذه البشرى العظيمة إلى أبى لأظفر بابتسامة نادرة وبلمسة من يمناه شديدة الخشونة وقبلة يطبعها على خدى.
 ولم نكد نبدا طعامنا ببسملة عالية من ابى حتى سمعنا صوتا ينادى فرد عليه ابى :تفضل يااستاذ عطية
وقف عطية بهامته القصيرة ووجهه الأسمر وشاربه الطويل يتحسس كرشه المتدلي أمامه بيديه الغليظتين ,ويرمق طعامنا بعينين جاحظتين مخيفتين ثم تحدث وكان ثلاثة أشخاص يصطرعون في فمه:لسه متغدى مع الحاج سعيد سمك يورىخليك أنت في الجبنة بتاعتك هتعيش وتموت فقرى.
 رد أبى بلهجة ساخرة :النبي عاش ومات فقيرا ,اللهم احشرنا في زمرة المساكين ثم أردف :الحاج سعيد عنده فدادين وسمك بوري ولكنه لايمتلك ولدا كولدي ,الأول على مدرسته
رفعت راسي مزهوا ,والتقت عيناى عينيه وضحك ضحكة ساخرة كشفت عن أسنانه التي استعمرها السوس وقال:بلا خيبة ,يعنى هيبقى ظابط.
خيل إلى أن اقذف فمه بكبشه تراب تذكره أن هذا الفم وهذه الأسنان يجب أن تغسل ,وكان أبى استشعر مايدور بخلدى فنظر إلى مبتسما وقال هيكون أحسن من كده إن شاء الله.
وكان عطية أحس فجأة بوقته الثمين فنظر إلى ساعته ووجه سؤاله نحو أبى :فلوس الأسبوع ده جاهزة؟
-لم نبتاع شيء قط,الأسبوع القادم إن شاء الله يصير خير

رفع عطية سبابته مهددا:الأسبوع الجاى ,غير كده هاقدم فيك محضر.
 انصرف عطية وودعه أبى بنظرة شاردة ملؤها الغيظ قائلا :الله يسد نفسك يابعيد ,ربنا يخدك ويزيح عنا قرفك

ورددت انا وامى فى صوت واحد: امين

هناك تعليقان (2):

  1. آآآآ مين :)

    رائعه يا علاء
    الاستاذ عطية دا اكيد حد مكعبر زى بتوع الحزن الوطنى
    .... هو بغباوته عارفهم انا

    ردحذف
  2. الف شكر حمدى باشا
    هو كدة فعلا يشبههم تماما الحمد لله ازاح الله عنا تلك الوساخة

    ردحذف